سورة عبس - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (عبس)


        


{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)}
{قُتِلَ الإنسان} دعاء عليه على ما جرت به عادة العرب من الدعاء بهذا اللفظ، ومعناه تقبيح حاله، وأنه ممن يستحق أن يقال له ذلك، وقيل: معناه لعن، وهذا بعيد {مَآ أَكْفَرَهُ} تعجيب من شدّة كفره، مع أنه يجب عليه خلاف ذلك {مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ} توقيف وتقرير ثم أجاب عنه بقوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ} يعني المني، ومقصد الكلام تحقير الإنسان، معناه أنه يجب أن يعلم الرب الذي خلقه {فَقَدَّرَهُ} أي هيأه لما يصلح له ومنه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، وقيل: معناه جعله على مقدار معلوم في إعطائه وأجله ورزقه وغير ذلك {ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} نصب السبيل بفعل مضمر فسره يسره، وفي معناه ثلاثة أقوال: أحدها: يسر سبيل خروجه من بطن أمه، والآخر أنه سبيل الخير والشر لقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 3]، الثالث: سبيل النظر السديد المؤدي إلى الإيمان، والأول أرجح لعطفه على قوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} وهو قول ابن عباس {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي جعله ذا قبر، يقال: قبرت الميت إذا دفنته، وأقبرته إذا أمرت أن يدفن {ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} أي بعثه من قبره، يقال: نشر الميت إذا قام، وأنشره الله والإشارة إذا شاء ليوم القيامة، أي الوقت الذي يقدر أن ينشره فيه.


{كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)}
{كَلاَّ} ردع للإنسان عما هو فيه {لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ} أي لم يقض الإنسان على تطاول عمره ما أمره الله، قال بعضهم: لا يقضي أحدا أبداً جميع ما افترض الله عليه إذ لا بدّ للعبد من تفريط {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} أمر بالاعتبار في الطعام كيف خلقه الله بقدرته ويسره برحمته، فيجب على العبد طاعته وشكره ويقبح معصيته والكفر به، وقيل: فلينظر إلى طعامه إذا صار رجيعاً، فينظر حقارة الدنيا وخساسة نفسه، والأول أشهر وأظهر في معنى الآية، على أن القول الثاني صحيح وانظر كيف فسره بقوله: {أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً} وما بعده ليعدّد النعم ويظهر القدرة، وقرئ إنا صببنا الماء بفتح الهمزة على البدل من الطعام {ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض} يعني يخرج النبات منها {حَبّاً} يعني القمح والشعير وسائر الحبوب {وَقَضْباً} قيل: هي الفصفصة، وقيل: هي علف البهائم، واختار ابن عطية أنها البقول وشبهها مما يؤكل رطباً {غُلْباً} أي غليظة ناعمة {وَأَبّاً} الأبّ المرعى عند ابن عباس والجمهور، وقيل: التبن وقد توقف في تفسيره أبو بكر رضي الله عنهما.


{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)}
{الصآخة} القيامة وهي مشتقة من قولك: صخ الأذن إذا أصمها بشدة صياحه، فكأنه إشارة إلى النفخة في الصور، أو إلى شدة الأمر حتى يصخ من يسمعه لصعوبته وقيل: هي من قولك: أصاخ للحديث إذا استمعه، والأول هو الموافق للاشتقاق {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} الآية ذكر فرار الإنسان من أحبابه، ورتبهم على ترتيبهم في الحنو والشفقة فبدأ بالأقل وختم بالأكثر، لأن الإنسان أشد شفقة على بنيه من كل من تقدم ذكره؛ وإنما يفر منهم لاشتغاله بنفسه؛ وقيل: إن فراره منهم لئلا يطالبوه بالتبعات والأول أرجح وأظهر، لقوله: {لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي هو مشغول بشأنه من الحساب والثواب والعقاب، حتى لا يسعه ذكر غيره، وانظر قول الأنبياء عليهم السلام، يومئذ: نفسي نفسي {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} أي مضيئة من السرور، وهو من قولك: أسفر الصبح إذا أضاء {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي غبار، والقترة أيضاً الغبار. قال ابن عطية: الغبرة من العبوس والكرب، كما يقتر وجه المهموم والمريض، والقترة هي غبار الأرض، وقال الزمخشري: الغبرة: غبار يعلوها، والقترة سواد، فيعظم قبحها باجتماع الغبار والسواد.

1 | 2